فصل: باب: غَزْوَةِ أَنْمَار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ ذِكْرِ النبي صلى الله عليه وسلّم مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْر

واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان أَخْبَرَهُمْ من قبلُ بأسماء من يُقْتَلُ فيها من الكفار، وحيث يُصْرَعُ، فوقع كما كان أَخْبَرَ به، حتَّى لم يَتَجَاوَزُوا عنه قيدَ شبرٍ‏.‏ وكذلك أخبارُ الأنبياء تَحْكِي عن الواقع، ولا يتحمَّل فيها الخلاف بنحو شعر وشُعَيْرَة‏.‏ نعم قد يجيء فيها الخبط من قبل الرواة‏.‏ ومن ظَنَّ أن الثقاتِ براءٌ من الأغلاط، فلم يَسْلُكْ سبيلَ السداد‏.‏ وإنما المعصومُ من عَصَمَهُ اللَّهُ، والجاهلُ لا يفرِّق بين أغلاط الرواة وبين أخبار الأنبياء عليهم السلام، فيحمل خبطَهم وأغلاطَهم على رقاب الرُّسُلِ عليهم الصلاة والسلام‏.‏ ما أضلُّه، وأجهلُه‏.‏ وهذا الذي يَقْتَحِمُه لعين القاديان، وذلك لأنه لمَّا يَرَى أكثرَ أخباره تتخلَّف عن الواقع، وتُخَالِفُهُ، ولا يستطيع أن يركِّبَ له عُذْراً، جعل يَهْزَأُ بأخبار رسل الصدق، ويتتبع أغلاطهم‏.‏ وأنَّى هي، فطاح سعيُه، وعاد عملُه رقماً على الماء‏:‏ ‏{‏وَمَا كَيْدُ الْكَفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَلٍ‏}‏ ‏(‏غافر‏:‏ 25‏)‏‏.‏

3950- قوله‏:‏ ‏(‏وقَدْ أَوَيْتُم الصُّبَاةَ‏)‏ والصابيءُ لم يُسْتَعْمَلْ في القرآن إلاَّ مهموزاً، وفي الحديث بالنحوين‏:‏ مَهْمُوزاً، وناقصاً‏.‏ وخَفِي على كثيرٍ من المفسِّرين عقائدهم، حتى زَعَمَ ابن تَيْمِيَة‏:‏ أن هؤلاء أيضاً كانوا على دينٍ سماويَ في زمانٍ، وليس كذلك‏.‏ وإنما كان هؤلاء يتعبَّدون بالنجوم من النماردة، يَسْكُنُون العراق، ويتكلَّمُون بالكلدانية‏.‏ ولم يُدْرِكْ حقيقةً مذهبهم غير الرجلين فيما أعلم‏:‏ الأول أبو بكر الجصَّاص في «أحكامه»، والثاني ابن النديم في كتاب «الفهرست»‏.‏

3950- قوله‏:‏ ‏(‏أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ‏)‏ كان أبو سفيان والد الأمير معاوية يجيء بركبٍ من الشام إلى المدينة، فَبَلَغَ خبرُه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فأراد أن يُغِيرَ عليهم بعدَّةٍ من أصحابه‏.‏ ولمَّا لم يَكُنْ من إرادته الغزو، لم يتأهَّب لهم، ولم يهتمَّ بشأنهم، وخَرَجَ إليهم كما هو، غير مهتمَ‏.‏ فلمَّا بَلَغَ أبا سفيان خبرُه، عَدَلَ عن الطريق، وأخذ ساحل البحر، فنجى‏.‏ وأنجى‏.‏ ثم بلغت هذه القصة أهل مكة، فتأهَّب أبو جهلٍ للحرب بألف نفرٍ منهم، وخَرَجَ على أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فاجتمعت الفئتان في بدرٍ من غير مُوَاعدةٍ، ثم كان من أمرهما ما كان‏.‏

3950- قوله‏:‏ ‏(‏أَخَذَ لا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إلاَّ عَقَلَ بَعِيرَهُ‏)‏، وأُمَيَّةُ، وإن كان كافراً لا يُؤْمِنُ بأخباره صلى الله عليه وسلّم لكنه كان قد جرَّب أن ما يُخْبِرَ به صلى الله عليه وسلّم لا يكون إلاَّ حقّاً، فلمَّا سَمِعَ أنه قد أَخْبَرَ بِقَتْلِهِ، أخذ أمره من قبل، فاحْتَالَ لنفسه، بأن كان يَعْقِلُ بعيرَه قريباً منه لِيَفِرَّ عند الخطر‏.‏ لكن أين كان يغنيه التدبير عن التقدير، فأتاه من حيث لم يَحْتَسِبْ‏.‏ فلمَّا رأى انهزامَ الكفار، وأمرَهم مُدْبِراً، رَكِبَ على بعيره، وأَصْحَبَ ابنه، وجعل يَهْرُب‏.‏ فلمَّا رآه بلالُ، نادى الأنصار‏:‏ إن هذا أُمَيَّةَ، إن نجا اليوم، فلا حياةَ لي، أي حياة طيِّبة، فلا أزال أتململ لتخلُّصه اليومَ من أيدي المسلمين‏.‏

وكان أُمَيَّةُ قد آذى بلالاً شديداً، فلمَّا سَمِعَ الأنصارُ تَعَاقَبُوه، فرمى أُمَيَّةُ ابنه لِيُشْغَلُوا في قتله حتَّى يَفِرَّ منهم، فلم يَلْبَثْ الصحابةُ حتَّى قتلوه، ثم تَعَاقَبُوهُ حتَّى أحاطوا بأُمَيَّةَ‏.‏ فلمَّا رأى أنه قد أُحِيطَ به، رمى نفسَه من البعير‏.‏ وكان عبد الرحمن بن عَوْف صديقه، فأراد أن يُنْقِذَهُ، فتجلَّله لئلا يَقْتُلُوه، فَأَبُوْا إلاَّ أن يَقْتُلُوه، فَطَعَنُوه من تحت عبد الرحمن وقتلوه‏.‏ فرحل إلى دار البوار، وصدق اللَّهُ تعالى رسولَه سيدَ الأبرار‏.‏

فائدةٌ‏:‏ ليس معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ‏}‏

باب‏:‏ قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْر

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالآفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُسَوّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 123- 127‏)‏‏.‏

وَقالَ وَحْشِيٌّ‏:‏ قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ‏.‏

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ‏}‏ الآية ‏(‏الأنفال‏:‏ 7‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ‏}‏‏)‏، أي قليلون، لا عندكم كثيرَ سلاحٍ، ولا مراكب‏.‏ وكانت عِدَّتُهم ثلاث مئة، وبضعةَ عشر، على عِدَّة أصحاب طالوت عليه السلام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين خَرَجَ لإِنقاذ لوط عليه السلام من أيدي الكفار، وكانوا ذَهَبُوا به‏.‏ وتلك تكونُ عِدَّةَ أصحابُ المهدي عليه السلام، وهو عددُ الرُّسُلِ‏.‏ فاللَّهُ يدري ما السِّرُّ في هذا العدد‏.‏ ثم إن في الآية إشكالاً، فإنه تعالى وَعَدَ في آيةٍ بإِمداد الألف، وبثلاثة آلاف في آيةٍ أخرى، وفي أخرى بخمسة آلاف‏.‏

قلتُ‏:‏ كان عِدَّةُ الكفار نحو ألف، فَأَرْجَفُوا أن كُرْزاً جاء بألفين، فَفَزِعَ الناسُ منه، فثبَّتهم الله تعالى، وقال‏:‏ ‏{‏أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ بالاستفهام، على نحو ما يجري في المخاطبات‏.‏ وراجع الفرقَ بين صريح الخبر، والإِنشاء في صورة الخبر من شرح الشرح‏.‏ فليس فيه وعدٌ، ولا إخبارٌ بإِنزالهم‏.‏ ولمَّا لم يَجِىءْ كُرْز، لم يُحْتَجْ إلى إنزال ذلك العدد‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلَى إِن تَصْبِرُواْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فَوَعَدَهُمْ بإِنزال خمسة آلاف، وعلَّقه بشرط الصبر والتقوى، كيلا يَنبِّئَهم بما هو فاعلٌ‏.‏

فالألفُ كانوا موعودين مطلقاً، وخمسةُ آلاف بشرط الصبر والتقوى، وثلاثة آلاف بشرط مجيء كُرْز‏.‏ أو كان الأصلُ الإِمدادَ بخمسة آلاف، وإنَّما أخبرهم بها تدريجاً، لِيَفْرَحُوا به، وهو أيضاً سننُ بيانٍ، أي إلقاء المراد حصةً حصةً، كقوله صلى الله عليه وسلّم «أَلاَ تُحِبُّون أن تكونوا ثُلْثَ أهل الجنة، ثم قال‏:‏ نصف أهل الجنة»، الحديث‏.‏ تدرَّج فيه من قليلٍ إلى كثيرٍ لهذا‏.‏ وهو المرادُ عندي من نسخ الخمسين إلى الخمس في الصلوات، على ما مرَّ تقريره‏.‏

أمَّا إنهم كم نَزَلُوا، فاللَّهُ تعالى أعلمُ به، فَيُمْكِنُ أن يكونوا خمسة آلاف، تفضُّلاً منه‏.‏ وإنما وعدهم بالألف بلا شرطٍ، لأنه كان ذلك عدد الكفار‏.‏ والمصنِّفُ جَمَعَ تلك الآيات في ترجمةِ الباب إشارةً إلى أن كلَّها نزلت في بدرٍ‏.‏

وقد تصدَّى المفسِّرون إلى وجه التوفيق بين وعد إمداد الألف، وثلاثة آلاف، وخمسة آلاف، فَذَكَرُوا وجوهاً‏.‏ فَحَمَلَهُ بعضُهم على الغزواتِ المتعدِّدةِ، وجَعَلَهَا المصنِّفُ كلَّها في بدرٍ، وقد عَلِمْتَ ما عندي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏مُسَوِّمِينَ‏}‏‏)‏‏:‏ وردى صلى الله عليه وسلّم نى هوى، وذلك لإِلقاء الرُّعْب في قلوب الذين كَفَرُوا، فإنَّ للزيِّ الحسنِ تأثيراً في إلقاء المهابة على العدو‏.‏ ولذا كانوا في القديم إذا خَرَجُوا للحرب لَبِسُوا قُمُصَ الحرير، ولأنها أنفعُ وأحصنُ‏.‏ ثم إن اللَّهَ تعالى، وإن كان يَعْلَمُ حالَ كُرْز أنه يجيء أو لا، وأن الملائكةَ تَنْزِلُ فيه ألفاً، أو خمسة آلاف، لكن تلك من سُنَّة الله‏:‏ أنه قد يُخْفِي أمراً، ولا يُظْهِرُهُ على رسله أيضاً لمصالح يَعْلَمُهَا‏.‏ فَأَظْهَرَهُ بحيث يَذْهَبُ ذهنُ السامع كلَّ مذهبٍ، ولا يَقْطَعُ عن نفسه التردُّد‏.‏ وهو معنى «لعل» في القرآن كما اختاره سيبويه، لا كما اختاره السيوطي‏:‏ أنه في القرآٌّ لليقين‏.‏ بل لأنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا أراد أن لا يُخْبِرَنا على حقيقة الأمر، استعمل في كلامه ما يُسْتَعْمَلُ له في كلامنا، لأن القرآنَ لم يَنْفَكَّ في موضعٍ عن محاورات الناس، فكلُّهم حسب عرفهم‏.‏ فليس موضعه‏:‏ أن الله سبحانه لا يَعْلَمُهُ- والعياذ بالله- ولكنَّ اللَّهَ سبحانه يريد أن لا يَنْكَشِفَ علينا الأمرُ على جليته، فيؤدِّيه بنحوٍ يبقى فيه الإِبهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ‏)‏، واللام فيه بدل كي تتقدَّمُه الواو، وتكون الجملةُ بعدها معطوفةً على جملةٍ مقدَّرةٍ‏.‏ وقد توجَّه إليها الزمخشريُّ في «الكشاف»، وذَكَرَ له الشاه عبد القادر فائدةً على طريق الضابطة في «فوائد»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال وَحْشِيٌّ‏:‏ قَتَلَ حَمْزَةُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ستجيء قصته في البخاريِّ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ لله وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السَّمَآء مَآء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الاْقْدَامَ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الاعْنَقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏(‏الأنفال‏:‏ 9- 13‏)‏‏.‏

باب‏:‏ عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْر

باب‏:‏ دُعَاءِ النبي صلى الله عليه وسلّم عَلَى كُفَّارِ قُرَيشٍ‏:‏شيبَةَ وَعُتْبَةَ وَالوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَهَلاَكِهِم

وفيه وعدٌ بالألف‏.‏ وما ألطفُ كلامَ الزمخشريِّ‏.‏ حيث قال‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏{‏مُرْدِفِينَ‏}‏ يُشْعِرُ بكون الآخرين خلفهم أيضاً، فَيُمْكِنُ أن يكونَ الألف أمامهم، وألفان رِدْفَهُمْ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏إِذْ يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وكذلك النُّعَاسُ يُلْقَى عند الكيفيات الباطنية، كما كان يَطْرَأُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عند نزول الوحي‏.‏ ويُرْوَى أن عيسى عليه السلام أيضاً رُفِعَ في تلك الحالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَنِ‏}‏‏)‏‏:‏ أي وَسَاوِسَه‏.‏

3953- قوله‏:‏ ‏(‏فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ حَسْبُكَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وذلك لأنَّ أبا بكرٍ لم يكن زعيمَ هذا الأمر، فلم يَذُقْ من همِّه ما كان يَذُوقُه صلى الله عليه وسلّم ولم يَفْزَعْ كفزعه، وجعل يُسَلِّيه‏.‏ وإنَّما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صاحبَ الواقعة، فجعل يُلِحُّ على ربِّه حتَّى بُشِّرَ بالنصر‏.‏ وإنَّما خَشِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مع وعد النصر، لأن المتكلِّمَ قد تكون في كلامه شروطٌ وقيودٌ، ولا يُدْرِكُهَا المُخَاطَبُ‏.‏ ومن طريق الخاشع أنه لا يتشجَّعُ نظراً إلى تلك القيود‏.‏

أَلاَ ترى إلى أصحاب بدرٍ كيف بُشِّرُوا بالجنة، ثم هل رأيت أحداً منهم جَلَسَ مُطْمَئِناً اعتماداً على البِّشَارة‏.‏ وهل نَسِيتَ ما جرى بين أبي موسى، وعمر من الكلام‏.‏ فإن عمر رَضِي بأن تكونَ أعمالُه بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كَفَافاً، يَخْرُجُ عنها رأساً برأس‏.‏ فالمؤمنُ لا يَنْقَطِعُ عنه الخوفُ بحالٍ، وأمَّا الأنبياءُ عليهم السلام، فحالُهم أعلى وأرفعُ، وقد مرَّ تقريره ونظائره‏.‏ ومن هذا الباب‏:‏ كثرة ترداده صلى الله عليه وسلّم واضطرابه عند رؤية السحاب، مع كونه آمناً من العذاب‏.‏

فائدةٌ مهمةٌ‏:‏ واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سمَّاه ربه أحمد، ولذا وقعت البِّشَارة بذلك الاسم، وإليه أُشِيرَ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ‏}‏ ‏(‏الصف‏:‏ 6‏)‏، فأضاف لفظَ ‏{‏اسْمُهُ‏}‏ ولم يَقُلْ‏:‏ ومبشِّراً برسولٍ يأتي من بعدي أحمد، لِيَدُلَّ على أنه وإن اشتهر بين الناس بمحمدٍ، ولكن اسمه عند الله تعالى‏:‏ أحمد‏.‏ على نحو اسم يحيى عليه السلام، حيث سمَّاه به ربُّه، وكان يُدْعَى قبله‏:‏ يوحنا، وكعيسى عليه الصلاة والسلام، حيث كان اسمُه بينهم‏:‏ يَسُوع، أو أيشوع، فغيَّره إلى عيسى عليه الصلاة والسلام‏.‏ فالمشهورُ عندهم من أسماء هذه الأنبياء عليهم السلام كان‏:‏ يوحنا، ومحمد، وأيشوع، وهدى اللَّهُ سبحانه إلى أسمائهم، وعلَّمنا أنها‏:‏ يحيى، وأحمد، وعيسى أيضاً، وأحمد وفارقليط بمعنى‏.‏ ومن ههنا تبيَّن السِّرُّ في وجه البِّشَارة باسم أحمدغ دون محمد صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ قَتْلِ أَبِي جَهْل

قالَ قَتَادَةُ‏:‏ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ، حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ، تَوْبِيخاً وَتَصْغِيراً ونَقِمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَماً‏.‏

3961- قوله‏:‏ ‏(‏وبِهِ رَمَقٌ‏)‏ ويُعْلَمُ من مقالته تلك أن حَوَاسَهُ كانت حاضرةً، وعقلُه صحيحاً، إلاَّ أنه لم يَكُنْ شَاهَدَ عالمَ الغيب بَعْدُ‏.‏ والعلماءُ قد أَطْلَقُوا القولَ بعدم عبرة الإِيمان عند النزع، مع أن الحواسَ قد تبقى سالمةً في حال النزع، وخروج الروح عن بعض الأعضاء أيضاً‏.‏ ولا يَنْكَشِفُ العالم الروحاني، فينبغي أن يُعْتَبَرَ في المسألة بانكشاف عالم الغيب وعدمه، لا بالنزع فقط‏.‏ فإن آَمَنَ وقد انكشف له عالم الغيب، لا يُعْتَبَرُ بإِيمانه، وإلاَّ يُعْتَبَرُ‏.‏ فالأَوْلَى أن يكونَ مناطُ العِبْرَةِ هو ذلك، ذون النزع فقط‏.‏

3968- قوله‏:‏ ‏(‏هؤُلاَءِ الآياتُ في هؤُلاَءِ الرَّهْطِ‏)‏ واعلم أن هؤلاء يَجِيءُ لغير ذوي العقول أيضاً، وكذلك أولئك‏.‏

3973- قوله‏:‏ ‏(‏فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا‏)‏ بصيغة المجهول‏.‏ والضميرُ فيه يَرْجِعُ إلى مصدره، كما في ضُرِبَ، أي أوقع الضرب‏.‏

3976- قوله‏:‏ ‏(‏طَوِيَ‏)‏‏:‏ بى من كا كنوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بئر‏)‏ جِس صلى الله عليه وسلّم من هو ‏(‏ركى‏)‏ كرها‏.‏

3976- قوله‏:‏ ‏(‏ما أَنْتُمْ بأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ‏)‏ وقد مرَّت مسألةُ سماع الأموات‏.‏ وأمَّا قولُه تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ‏}‏ ‏(‏فاطر‏:‏ 22‏)‏، فلقائلٍ أن يقولَ‏:‏ إنه محمولٌ على نفي سماعٍ يترتَّبُ عليه الإِجابة‏.‏ أو على نفيه بحسب عالمنا، فإن السماعَ إن كان، فهو في عالمٍ آخر‏.‏ وإمَّا في عالمنا فهو كالمعدوم، أو أنه على حدِّ قوله‏:‏ ‏{‏صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 18‏)‏، مع وجود السمع، والنطق، والبصر، كما أَجَهابَ به السيوطي في نظم‏:‏

وآيةُ النفي معناها سماعُ هدى *** لا يَقْبَلُونَ، ولا يَصْغُونَ للأَدَبِ

واعلم أن التَّفْتَازَانيَّ نقل الإِجماع على علم الأموات، وإنَّما الخلافُ في سماعهم‏.‏ وكذا نَقَلَ أن لا خلافَ في نفس سائر الصفات غير السماع، فالإِيابُ، والذهابُ، ونحوهما منفيٌّ عنهم رأساً‏.‏ ونَقَلَ ابنُ حَجَرٍ في «فَتاواه»‏:‏ أن الأموات يتحرَّكُون من مكانٍ إلى مكانٍ أيضاً، وَأَنْكَرَ الاتفاقَ فيه‏.‏ قلتُ‏:‏ كلامُ التفتازاني في حقِّ الأجساد دون الأرواح، وإثباتُ ابن حَجَر في حقِّ الأرواح، فَصَحَّ الأمران‏.‏

3976- قوله‏:‏ ‏(‏قال قَتَادَةُ‏:‏ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حتَّى أَسْمَعَهُمُ‏)‏، ويُؤَيِّدُ هذا الراوي ما عند ابن كثير‏:‏ «إذا مرَّ أحدُكم بقبر رجلٍ يعرفه، يَرُدُّ اللَّهُ تعالى عليه روحَهُ»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فَدَلَّ على رَدِّ الروح عليه، فلا يَسْمَعُ في كلِّ وقتٍ‏.‏

باب‏:‏ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرا

فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً *** عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذلِكَ فِي ذَاتِ الإِلهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيهِ أَبُو سرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْراً الصَّلاَةَ، وَأَخْبَرَ- يَعْني النبي صلى الله عليه وسلّم- أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ- حِينَ حُدّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ- أَنْ يُؤْتَوْا بِشَيءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَتَلَ رَجُلاً عَظِيماً مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيئاً‏.‏

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ‏:‏ ذَكَرُوا مَرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ العَمْرِيَّ، وَهِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيَّ، رَجُلَينِ صَالِحَينِ، قَدْ شَهِدَا بَدْراً‏.‏

تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبِ، عَنْ يُونُسَ‏.‏ وَقَالَ اللَّيثُ‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏:‏ وَسَأَلنَاهُ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ ثَوْبَانَ، مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ‏:‏ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ البُكيرِ، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْراً، أَخْبَرَهُ‏.‏

باب‏:‏ شُهُودِ المَلاَئِكَةِ بَدْرا

قالَ ابْنُ عُلَيَّةَ‏:‏ قالَ سُلَيمانُ‏:‏ هَكَذَا قالَهَا أَنَسٌ، قالَ‏:‏ أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ‏؟‏ قالَ‏:‏ وَهَل فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلتُمُوهُ‏؟‏ قالَ سُلَيمانُ‏:‏ أَوْ قالَ‏:‏ قَتَلَهُ قَوْمُهُ‏.‏ قالَ‏:‏ وَقالَ أَبُو مِجْلزٍ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ فَلَوْ غَيرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي‏.‏

وَعَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ محمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قالَ في أُسَارَى بَدْرٍ‏:‏ «لَوْ كانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»‏.‏

وَقالَ اللَّيثُ، عَنْ يَحْيى عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب‏:‏ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الاولَى- يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمانَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَداً، ثُمَّ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ- يَعْنِي الحَرَّةَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الحُدَيبِيَةِ أَحَداً، ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ‏.‏

قالَ مُوسى‏:‏ قالَ نَافِعٌ‏:‏ قالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ قالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابهِ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُنَادِي نَاساً أَمْوَاتاً‏؟‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «ما أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلتُ مِنْهُمْ»‏.‏

قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنْ قُرَيشٍ، مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلاً، وَكانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ يَقُولُ‏:‏ قالَ الزُّبَيرُ‏:‏ قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ، فَكانُوا مِائَةً، واللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب‏:‏ تَسْمِيَةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، في الجَامِعِ الَّذِي وَضَعَهُأَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى حُرُوف المُعْجَم

النَّبِيُّ مُحمدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الهَاشِمِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عليٌّ، ثُمَّ إِيَاسُ بْنُ البُكَيرِ‏.‏ بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ‏.‏ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ اْلهَاشِمِيُّ‏.‏ حاطِبُ بْنُ أَبِي بَلتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيشٍ‏.‏ أَبُو حُذَيفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ القُرَشِيُّ‏.‏ حارِثَةُ بْنُ الرَّبِيِع الأَنْصَارِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ حارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، كانَ في النَّظَّارَةِ‏.‏ خُبَيبُ بْنُ عَدِيّ الأَنْصَاريُّ‏.‏ خُنَيسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ‏.‏ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ رِفاعَةُ بْنُ عَبْدِ المُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الانْصَارِيُّ‏.‏ الزُّبَيرُ بْنُ العَوَّامِ القُرَشِيُّ‏.‏ زيدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلَحْةَ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ أَبُو زَيدٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ سَعْدُ بْنُ مالِكٍ الزُّهْرِيُّ‏.‏ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ القُرَشِيُّ‏.‏ سَعِيدُ بْنُ زَيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ القُرَشِيُّ‏.‏ سَهْلُ بْنُ حُنَيفٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ ظُهَيرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَخُوهُ‏.‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ اْلهُذَلِيُّ‏.‏ عُتْبْةُ بْنُ مَسْعُودٍ اْلهُذَلِيُّ‏.‏ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ‏.‏ عُبَيدَةُ بْنُ الحَارِثِ القُرَشِيُّ‏.‏ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ، حَلِيفُ بَنِي عامِرِ بْنِ لُؤَيّ‏.‏ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ‏.‏ عامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ العَنَزِيُّ‏.‏ عاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ عُوَيمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ عِتْبَانُ بْنُ مالِكٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ‏.‏ قَتَادَةُ بْنُ النَّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ‏.‏ مُعَوِّذُ بْنُ عَفرَاءَ وَأَخُوهُ‏.‏ مالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيدٍ الأَنْصَارِيُّ‏.‏

مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ‏.‏ مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الكنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ‏.‏ هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ‏.‏ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏.‏

وفي الجمل عن الدَّرَّاني‏:‏ أن وظيفةَ أسمائهم تجلو كل كَرْبٍ، وتُنْجِي من كلِّ ضيقٍ وبلاءٍ، واستمرَّ به العمل أيضاً‏.‏

3982- قوله‏:‏ ‏(‏أَوَهَبِلْتِ‏)‏ يعني‏:‏ كياتيرى عقل مارى كئى هى‏.‏

3983- قوله‏:‏ ‏(‏اعْمَلُوا ما شِئْتُم‏)‏ وهو نحو مقالته لعثمان‏:‏ «ما على عثمان لو لم يَعْمَلْ بعد اليوم» والعمومُ في مثله غيرُ مقصودٍ، والمرادُ منه فضائلُ الأمور ورغائبُها، دون الواجبات وفرائضها‏.‏ وراجع له «المسوى»، و«المصفي» للشاه وليّ الله‏.‏ ثم إن اللَّهَ تعالى يوفِّقُهم بأنهم لا يُسْرِفُونَ على أنفسهم، فلم يَبْقَ التخيير إذن، إلاَّ في اللفظ تشريفاً، وتكريماً لهم لا غير‏.‏ فليميَّز بين الكلام الذي يَخْرُجُ على سنن المحاورات، والذي يُقْصَدُ به بيان المسألة، فليس فيه رفعُ التكليف، بل فيه مجردُ التشريف‏.‏

3987- قوله‏:‏ ‏(‏بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ‏)‏ الظرفُ مبنيٌّ على الضم، ويومُ بدرٍ بدلٌ منه‏.‏ والمعنى‏:‏ أن الخيرَ الذي أتانا اللَّهُ يومَ بدرٍ، لأنهم غَلَبُوا في تلك الحرب‏.‏ وإن كان بالإِضافة، فالمرادُ ببدرٍ البدرُ الصغرى التي كانت بعد أُحُدٍ‏.‏ أو يُرَادُ من البعدية بعديةٌ متراخيةٌ، حتى من الأُحُدِ أيضاً‏.‏ وإلاَّ يَرِدُ عليه‏:‏ أن بَعْدَ بدرٍ أُحُدَ‏.‏ وقد انْهَزَمَ المسلمون فيها، فأين الخير فيها‏.‏

3989- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَمْ يَقْدِرُوا أن يَقْطَعُوا منه شَيْئاً‏)‏ وهذا من عجائب قدرته تعالى‏:‏ حيث تَرَكَهُ أوَّلاً يقتله الأعداء، ثم حَمَى جِسْمَهُ‏.‏ فلم يستطيعوا أن يَقْرَبُوا منه أيضاً‏.‏ ونحوه ما رَقَعَ لزكريا عليه السلام‏:‏ لَمَّا فرَّ من قومه انشقَّت له الشجرةُ، فاختفى فيها، فلمَّا طَلَبَهُ القومُ، ورأوا قطعةً من ثيابه بارزةً من الشجرة، قطعوها بالمِنْشَار، حتَّى بَلَغَ رأسَه كاد أن يتأوَّهَ، فَنَادَاهُ ربُّه أن اصبر، فإن تأوَّهت أَهْلَكَ الناسَ أجمعين‏.‏ فحماه أوَّلاً، وأظلَّه في ظلِّه، ثم لم يَتْرُكْهُ حتى يَبُثَّ شكواه أيضاً‏.‏ ونحوه ما وقع في قتل الحُسَيْن، حيث لم يَمْنَعْهُمْ حين قتلوه، فلمَّا فعلوه انتقم له، وقتل منهم أُلُوفاً، بل آلاف ألفٍ‏.‏ فالله سبحانه يَفْعَلُ ما يشاء، ويَحْكُمُ ما يُرِيد‏.‏

3990- قوله‏:‏ ‏(‏وتَرَكَ الجُمُعَةَ‏)‏ وكان يومئذٍ بذي الحُلَيْفَةِ- موضع بستةِ أميالٍ من المدينة- فَدَلَّ على أن لا جُمُعَةَ في القرى عند ابن عمر‏.‏

4001- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لا تَقُولي هَكَذَا‏)‏ فالعجبُ على من يُثْبِتُون العلمَ الكليَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم مع مخالفة نصوص القرآن، وصرائح أقوله صلى الله عليه وسلّم فهداهم اللَّهُ إلى سواء الصراط‏.‏ وما قَدَرُوا اللَّهَ حقَّ قَدْرِهِ، وما دُرُوا الرسولَ، ولا شيئاً من أمره‏.‏

4004- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ إنه شَهِدَ بَدْراً‏)‏ واعلم أن عليّاً كان يزيدُ أوَّلاً في عدد التكبيرات على البدريين، فضلاً لهم‏.‏ ثم استقرَّ الأمرُ على الأربع في عهد عمر، وعُدَّ ذلك من إجماعيات عمر، وهي كثيرةٌ‏.‏ وقد استدللت له بمرفوعٍ عند الطحاويِّ في كتاب «الزيادات»، وإسنادُه قويٌّ‏:‏ «صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم يومَ عيدٍ، فكبَّر أربعاً أربعاً، ثم أَقْبَلَ علينا بوجهه حين انْصَرَفَ، فقال‏:‏لا تَنْسُوْا، كتكبير الجنائز، فأشار بإصابعه، وقَبَضَ إبهامه»‏.‏ ولم يطَّلِعْ عليه العينيُّ، ولا الزيلعيُّ، ولا ابن الهُمَامِ، وذلك لوقوعه في بابٍ أجنبيَ‏.‏ وهذا يُفِيدُنا في تكبيرات العيدين أيضاً، فاحفظه‏.‏

4008- قوله‏:‏ ‏(‏مَنْ قَرَأهُمَا في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ‏)‏ واعلم أنه ما مِنْ مسلمٍ إلاَّ وعليه حقُّ أن يَقْرَأَ شيئاً من القرآن كلَّ ليلةٍ، سواء كان حافظاً للقرآن أو لا، فمن قَرَأَ هاتين الآيتين كَفَتَاهُ عن ذلك الحقِّ‏.‏ ولمن قرأهما في وِتْرِهِ فضلٌ عظيمٌ، كما في «مسند أبي حنيفة»، عن أبي مسعود‏.‏

4017- قوله‏:‏ ‏(‏نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّان البُيُوتِ‏)‏ وعند الترمذي‏:‏ «أنها حيَّةٌ، كأنها قضيبُ فضةٍ، لا تَلْتَوِي في مشيتها»‏.‏ وإنما نهى عن قَتْلِهَا، لأنها تكون جِنِّيّاً، إلاَّ أن في الحديث الإِطلاق‏.‏ ثم الفصل‏:‏ أن قتلها يَجُوزُ بدون التحريج أيضاً، ولا إثْمَ‏.‏ نعم إن وَقَعَ منه ضررٌ‏.‏ فذلك أمرٌ آمر، كما وقع للشاه أهلُ الله رحمه الله تعالى، وحكايتُهُ معروفةٌ‏.‏

4019- قوله‏:‏ ‏(‏فإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أن يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ‏)‏ التشبيهُ الأول في عصمة الدَّمِ، الثاني في إباحته‏.‏ يعني‏:‏ كما أنَّك كُنْتَ محقوقَ الدَّمِ قبل قتله، كذلك صَارَ هو محقونَ الدَّمِ بعد إسلامه، وكما أنه كان مباحَ الدَّمِ قبل قوله كلمة الإِسلام، كذلك صِرْتَ أنت مباحُ الدَّمِ بعد قَتْلِهِ‏.‏

4020- قوله‏:‏ ‏(‏أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ‏)‏ وهذا نظيرُ قول أبي حنيفة‏:‏ ولو ضُرِبَ بأَبا قُبَيْس‏.‏ وهذه لغةٌ في الأسماء الستة الكبَّرة مطردة‏.‏ وجَهِلَ من طَعَنَ فيه على أبي حنيفة، ولم يوفَّقْ لحفظ مثله في البخاريِّ، كما وقع لأبي العلاء النحويِّ‏.‏

4022- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَ عَطَاءُ البَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلافٍ‏)‏، وهو غَلَطٌ، والصواب‏:‏ «خمسة آلافٍ، خمسة آلاف»‏.‏ مكرَّراً‏.‏

4026- قوله‏:‏ ‏(‏فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً مِنْ قُرَيْشٍ، مِمَّنْ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، أَحَدٌ وثَمَانُونَ رُجُلاً‏)‏، وهذا العدد لمن شَهِدُوا مطلقاً‏.‏

وأمَّا العددُ الذي مضى فيما سلف من البخاريّ‏:‏ «أنهم كانوا نيِّفاً على ستين»، فللمهاجرين‏.‏ وفيه‏:‏ أن غَزْوَةَ بدرٍ ما كانت إلاَّ بعد الهجرة، فلا يكون فيها من قريشٍ إلاَّ مهاجرٌ‏.‏ فقيل‏:‏ إن العددَ المذكورَ كان لمن قَاتَلُوا، وهذا لِمَنْ كان معهم من الغلمان، وغيرهم‏.‏ فافهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النَّظَّارَةِ‏)‏‏:‏ تماشائى‏.‏

باب‏:‏ حَدِيثُ بَنِي النَّضِيرِ، وَمَخْرَجُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم إِلَيهِمْ في دِيَةِ الرَّجُلَينِ،وَما أَرَادُوا مِنَ الغَدْرِ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم

قالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ عَنْ عُرْوَةَ‏:‏ كانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ‏.‏

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ مِن دِيَرِهِمْ لاِوَّلِ الْحَشْرِ‏}‏ ‏(‏الحشر‏:‏ 2‏)‏ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا‏.‏

تَابَعَهُ هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ‏.‏

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيَ *** حَرِيقٌ بِالبُوَيرَةِ مسْتَطِيرُ

قالَ‏:‏ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفيَانَ بْنُ الحَارِثِ‏:‏

أَدَامَ اللَّهُ ذلِكَ مِنْ صَنِيعٍ *** وَحَرَّقَ في نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ

سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ *** وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَينَا تَضِيرُ

باب‏:‏ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف

باب‏:‏ قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الحُقَيق

وَيُقَالُ‏:‏ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الحُقَيقِ، كانَ بِخَيبَرَ، وَيُقَالُ‏:‏ في حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الحِجَازِ‏.‏ وَقالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ‏.‏

واعلم أن بني نَضِير، وبني قُرَيْظَة قبيلتان عظيمتان، وتحتهما بطونٌ، مثل بني قَيْنُقَاع، ويهود بني حارثة، وغيرهم‏.‏ كان بينهم وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عهدٌ، فَغَدَرُوا فيه، فَأَجْلاَهُمْ إلى أريحاء، وتَيْمَاء، ووادي القُرَى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هُوَ الذي أخْرَجَ الذين كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وهذا اللفظُ مشيرٌ إلى أن لهم إجلاءً ثانياً أيضاً، كما أَجْلاَهُم عمر في زمنه من خَيْبَرَ، فَخَرَجُوا من جزيرة العرب إلى الشام، وقيل‏:‏ إن ثاني الحشر يكون عند إبَّان الساعة إلى الشام- أرض الحساب- وذلك يَعُمُّ الناسَ كافةً‏.‏ واعلم أن بيتَ الله كالديوان الخاص، وأَرْضُ الشام كالديوان العام، فالحسابُ يكون في أرض الشام‏.‏

4028- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَتَلَ رِجِالَهُمْ، وقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وأَوْلاَدَهُمْ‏)‏ اتَّفَقَ لي مرَّةً أن أُسْقُفاً من النَّصَارى سأل مسلماً‏:‏ أن نبيكم لو كان صادقاً، فَلِمَ قتل ست مئة نفسٍ من اليهود‏؟‏ وأنا أَنْظُرُ ما يُجِيبُ، فرأيت المسلم عاجزاً عن الجواب، فَبَادَرْتُ إليه، وقلت له‏:‏ وهل تُخْبِرُني أنه كم مرَّة عفا عنهم مع غدرهم، فما جزاهُ الغدر في شريعتكم‏؟‏ فسكت ثم قلتُ له‏:‏ أخْرِجْ البابَ التاسعَ، أو السادسَ عشرَ من يوحنا، فَجَعَلَ يقرأ حتى إذا بَلَغَ على فارقليط، قلتُ له‏:‏ من هو‏؟‏ قال‏:‏ هو روحُ القُدُسِ‏.‏ قلتُ له‏:‏ وهل كان روحُ القُدُسِ يُقَارِقُهُ تارةً أو يلازمه كلَّ حينٍ، فما يقول عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ أن فارقليط لا يجيء ما لم أَذْهَبْ عنكم، فَبُهِتَ‏.‏ ثم قلتُ‏:‏ أنا أعلمُ بكتابكم منكم، فجعل يَسْتَفْسِرُني عن أشياءَ، وأنا أُجِيبُه‏.‏ فلما دَنَا المنزل وانصرفت إليه، قام لي وأَكْرَمَنِي‏.‏

4033- قوله‏:‏ ‏(‏هَلْ لَكَ في عُثْمَانَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد سَمِعْتُ منَّا مِرَاراً أن الكلامَ في فَدَكٍ لم يَكُنْ إرَّ في التولية، كما حقَّقه السَّمْهُوديُّ، لا في التمليك، والتملُّك‏.‏ وإنما أراد من توليته أن لا يَصِيرَ الوقف مِلْكاً‏.‏ وقد جرَّبنا أيضاً أن الوقفَ بعد السِّبْطَين يَنْقَلِبُ مِلْكاً للناس، فَأَحَبُّ أن يتولَّى هو بنفسه، ويَحْكُمَ فيه بحكم الله‏.‏ وفي فِقْهِ الحنفية‏:‏ أن الأَوْلَى بتولية الوقف ذُرِّيةُ الواقف، ما لَمْ تَظْهَرْ منهم خيانةٌ‏.‏

4033- قوله‏:‏ ‏(‏فَاسْتَبَّ عَلِيُّ وعَبَّاسٌ‏)‏‏:‏ ولا غروَ في السِّبَاب بينهما، فإنه من طباع الناس منذ خُلِقَ الزمان‏:‏ أن أحدَهما إذا خاصم صاحبه يَرْفَعُ الكلام، ويَخْفِضُ فيه، وتَحْدُثُ فيه شِدَّةٌ وغلظةٌ‏.‏ وليس من الطريق الصحيح أن يُقْطَعَ النظرُ عن الخارج، فقد وَقَعَ بين الصحابة أيضاً ما يَقَعَ بيننا، فإنهم كانوا بشراً‏.‏ نعم لم يكن نزاعُهم وسِبَابُهم لطمعٍ، أو هوىً، بل كان ابتغاءً لوجه الله تعالى، وتتبُّعاً لرضاه، بخلافُه فينا، وهذا هو الفرق‏.‏

وقد شَغَبَ الشيعةُ- خذلهم الله- في أمر فَدَكٍ، وطَعَنُوا في أبي بكرٍ، ولم يَهْتَدُوا أن أبا بكرٍ إن كان أَبَى على فاطمةَ أن يَرُدَّ إليها ميراثها من أبيها، لذلك لم يَكُنْ برأيه، بل كان عنده فيه حديثٌ قَبْلَهُ كلُّهم، فأيُّ ذنبٍ أَذْنَبَهُ‏؟‏ ثم اتَّبعه في ذلك عمر في خلافته‏.‏ ثم ما أجابه على عليٌّ حين أنشده بالله‏:‏ أعمل بالتقية عند ذلك أيضاً، أو حَالَ الجريضُ دون القَريض- والعياذ بالله- أم كان وَافَقَهُ‏.‏ ثم ماذا عَمِلَ فيه إذا اسْتُخْلِفَ هو بنفسه‏؟‏ فماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضلال‏؟‏‏.‏

وأمَّا عدم كلام فاطمة إيَّاه حتَّى ماتت، فالمرادُ منه كلامها في أمر فَدَكٍ، أو أنه لم يتَّفِقْ له ذلك‏.‏ فلو سلَّمنا مَوْجِدَتَهَا عليه، فلَهُ العذرُ أيضاً، كما عَلِمْتَ، على أنه لم يُهَاجِرْهَا‏.‏ فإن هَاجَرَتْهُ، فقد هَاجَرَتْهُ هي، فلا طَعْنَ على أبي بكرٍ بحالٍ‏.‏

4034- قوله‏:‏ ‏(‏أَفَاءَ اللَّهُ‏)‏، أي صَرَفَهُ اللَّهُ إليكم‏.‏ وما أَوْجَفْتُم أنتم عليه رِكَابَكُم، ولا خيلكم، فالفيءُ يكون إلى الرسول يتصرَّفُ فيه بما أَرَاه الله، لا أنه يكون مِلْكاً له‏.‏ وراجع للفَدَكِ «التحفة» للشاه عبد العزيز، و«الصواقع» لعالم من كابل‏.‏

واعلم أنه قد صَعَبَ على الفرق بين الفيء والغنيمة، فإن الفيء عندهم‏:‏ ما يَحْصُلُ بدون إيجافِ الخيل والرِّكَاب، وهم يَعُدُّون أموالَ بني النَّضِير فيئاً، مع ثبوت المُحَاصَرَةِ فيها‏.‏ فإن قلتَ‏:‏ إنهم نَزَلُوا إلى الصُّلْحِ، فذلك مُشْكِلٌ، إذ قد يُضْطَرُّ إلى الصلح في الحروب أيضاً‏.‏ ولعلَّ الوجه‏:‏ أن الصُلْحَ بعد الحرب لا يُعَدُّ صلحاً، بل حرباً، لأنهم جَنَحَوا إلى السلم بعد تنكيل المسلمين فيهم، فَيُعْتَبَرُ المال المأخوذ منهم غنيمةً‏.‏ وإذا لم يَقَعْ قتالٌ وحربٌ، فَصُلْحُهم يُحْمَلُ على أن اللَّهَ سبحانه هو الذي قَذَفَ في قلوبهم الرُّعْبَ، إذ لا بُدَّ له من سببٍ ظاهريَ، فَصُلْحُهُمْ بدون تقدُّمٍ إلى المحاربة إمارةٌ على أن اللَّهَ تعالى قَذَفَ الرُّعْبَ في قلوبهم، بخلاف الصُّلْح بعد الحرب‏.‏ وإذن صَحَّ أن ما أُخِذَ منهم يُعَدُّ فيئاً، لكونه لم تُوجِفْ عليه خيلاً، ولا ركَاباً، وإنما هو مالٌ أفاء اللَّهُ سبحانه على رسوله‏.‏

4037- قوله‏:‏ ‏(‏فَإنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ‏)‏ قال ابن جنيِّ‏:‏ القول من حديث البحر، فحدِّث عنه ما شِئْتَ ولا حرج‏.‏ وهو حنفيٌّ، قرَّر حديثَ‏:‏ «ذكاة الجنين ذكاة أمه»، على نظر الحنفية‏.‏ ثم وَجَدْتُ في مذكرته أيضاً أنه حنفيٌّ‏.‏

4039- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ على وَدَ‏)‏ كهونئى‏.‏

4039- قوله‏:‏ ‏(‏وكَانَ في عَلاَلِيَّ لَهُ‏)‏، جمعُ عُلَيَّة‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةِ أُحُد

وَقَوْلِ

وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ لله إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّلِمِينَ وَلِيُمَحّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَفِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّبِرِينَ وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 139- 143‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَزَعْتُمْ فِى الاْمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الاْخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 152‏)‏‏.‏ وقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوتاً‏}‏ الآيَةَ ‏(‏آل عمران‏:‏ 169‏)‏‏.‏

وكان لا بُدَّ من وقوعها، لأن الصحابةَ كانوا رَضَوْا في بدرٍ بالمفاداة، وأن يُقْتَلُ منهم سبعون من قابل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الذينَ آَمَنُوا‏)‏، وفسَّره السيوطي بقوله‏:‏ وليميِّز اللَّهُ، وكذا الإِمام الراغب‏.‏ وهذا لا يزيد عندي على أمرٍ عقليَ‏.‏ ومرَّ عليه الزمخشريُّ، وصاحب «المدارك»، وقد أجادا‏.‏ وفصَّله مولانا شيخُ الهند في «فوائده»‏.‏

قلتُ‏:‏ والذي تبيَّن لنا من صنيع القرآن أنه نَزَلَ بمحاوراتهم، ولم يتنحَّ في موضع عمَّا يحاورونه فيما بينهم‏.‏ فالمرادُ منه رؤيةُ الشيءِ في الخارج بعد خروجه من عالم الغيب فالله تعالى، وإن كان يعلم الذين آمنوا مِمَّن ليسوا كذلك قبله أيضاً، لكنَّه أَرَادَ أن يرى في الخارج أيضاً ما قد عَلِمَهُ في عالم الغيب، على حدِّ قولك لصاحبك‏:‏ إني لا أَثِقُ بك حتى أَرَى منك الأمر كذا‏.‏ فالله سبحانه يَعْلَمُ الأشياءَ على تفاصيلها التي سَتَقَعُ عليها، ولكنَّه أَرَادَ أن يَرَاهَا في الخارج أيضاً، كما عَلِمَهُ‏.‏ فهذا بالحقيقة إبرازُ شيءٍ من عالم الغيب إلى ساحة الوجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏مّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ‏}‏‏)‏ أي مال الغنيمة، والنَّصْرِ‏.‏

4043- قوله‏:‏ ‏(‏أفي القَوْمِ مُحمَّدٌ‏؟‏ قال‏:‏ لا تُجيبُوهُ‏.‏ فقال‏:‏ أفي القَوْمِ ابنُ أَبي قُحَافَةَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وفيه‏:‏ أن الكفارَ أيضاً كانوا يَعْرِفُون أن الفضلَ بينهم بهذا الترتيب‏.‏

4043- قوله‏:‏ ‏(‏أعْلُ هُبَلْ‏)‏، وهو اسمُ صنمٍ أتى به عمرو بن لُحَي‏.‏ وقيل‏:‏ إنه كان عندهم صنمٌ اتَّخَذُوه على اسم هابيل المقتول، كعامر، وعمر‏.‏ ومعنى الكلمة‏:‏ أي هُبَل صِرْ عالياً‏.‏

4049- قوله‏:‏ ‏(‏فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ‏)‏، أي وجدناها مكتوبةً عنده فقط، وإلاَّ فالقرآنُ كلُّه متواترٌ‏.‏ وكان عثمانُ أمرهم أن يَأْتُوا بها مكتوبةً‏.‏ فلذا تتبَّعُوها مكتوبةً، فوجدوها عند خُزَيْمَةَ‏.‏ ووجدوا آيةً أخرى أيضاً عند أبي خُزَيْمة، فالواقعتان صحيحتان‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 122‏)‏

بَصُرْتُ عَلِمْتُ، مِنَ البَصِيرَةِ في الأَمْرِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ العَينِ، وَيُقَالُ‏:‏ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 155‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ فَأَثَبَكُمْ غَمّاً بِغَمّ لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَبَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 153‏)‏

تُصْعِدُونَ‏:‏ تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ البَيتِ‏.‏

باب‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنَّ الْجَهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الاْمْرِ مِن شَىْء قُلْ إِنَّ الاْمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الاْمْرِ شَىْء مَّا قُتِلْنَا هَهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِىَ اللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 154‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَلِمُونَ‏}‏- ‏(‏آلعمران‏:‏ 128‏)‏

قالَ حُمَيدٌ وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ‏:‏ شُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ‏:‏ «كَيفَ يُفلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ»‏.‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء‏}‏‏.‏

باب‏:‏ ذِكْرِ أُمِّ سَلِيط

باب‏:‏ قَتْلِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه

قالَ‏:‏ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفَضْلِ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي سُلَيمانُ بْنُ يَسَارٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ فَقَالَتْ جارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ‏:‏ وَاأَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ‏.‏

باب‏:‏ ما أَصَابَ النبي صلى الله عليه وسلّم مِنَ الجِرَاحِ يَوْمَ أُحُد

باب‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 172‏)‏

باب‏:‏ مَنْ قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْهُمْ‏:‏ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَاليَمانُ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَير

قالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مالِكٍ‏:‏ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ اليَمامَةِ سَبْعُونَ، قالَ‏:‏ وَكانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم وَيَوْمُ اليَمامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيلِمَةَ الكذَّابِ‏.‏

باب‏:‏ أُحُدٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّه

قالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ‏:‏ عَنْ أَبِي حُمَيدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبِئْرِ مَعُونَة

وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيبٍ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

قالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ حَدَّثَنَا عاصِمُ بْنُ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ‏.‏

ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً *** عَلَى أَيِّ شِقَ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذلِكَ في ذَاتِ الإِلهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلو مُمَزَّعِ

ثُمَّ قامَ إِلَيهِ عُقْبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيشٌ إِلَى عاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكانَ عاصِمٌ قَتَلَ عَظِيماً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيءٍ‏.‏

قالَ عَبْدُ العَزِيزِ‏:‏ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَساً عَنِ القُنُوتِ‏:‏ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ، أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ، بَل عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ‏.‏

وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ حَدَّتَهُ‏:‏أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلّم قَنَتَ شَهْراً في صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ‏.‏

زَادَ خَلِيفَةُ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيعٍ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَنَسٌ‏:‏ أَنَّ أُولئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ‏.‏ قُرْآناً‏:‏ كِتَاباً‏.‏ نَحْوَهُ‏.‏

وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قالَ‏:‏ قالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قالَ‏:‏ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قالَ لَهُ عامِرُ بْنُ الطُّفَيلِ‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ‏:‏ هذا عامِرُ بْنُ فُهَيرَةَ، فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ رَأَيتُهُ بَعْدَ ما قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَينَهُ وَبَينَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ، فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلّم خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ، فَقَالَ‏:‏ «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ»‏.‏ وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْماءَ بْنِ الصَّلتِ فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِراً‏.‏

4052- قوله‏:‏ ‏(‏هَلْ نَكَحْتَ يا جَابِرُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وكان عمره إذ ذاك نحو خمسة عشر‏.‏ وإنما كان نَكَحَ ثيِّباً لحكمة ذكرها في الحديث‏.‏

4054- قوله‏:‏ ‏(‏مَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ‏)‏ وقد وَقَعَ نحو تلك المشاهدة لبعض المقرَّبين، وآحادٍ من الناس، لِيَعْلَمُوا أن الله يَنْصُرُ رسلَه بالغيب، ولا يَبْقَى الأمرُ غيباً محضاً‏.‏ ولو يراهم الناسُ كلهم كِفَاحاً، لم يُنَاسِبْ ذلك عالم التكليف‏.‏

4060، 4061- قوله‏:‏ ‏(‏لم يَبْقَ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ التي يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ، وسَعْدٍ‏)‏ قلتُ‏:‏ الفِرَارُ اسمٌ لترك المعركة‏.‏ أمَّا إذا كان الانتشارُ في المعركة، والتقشُّع، والفِرَارُ من ناحيةٍ إلى أخرى، فلا يسمَّى ذلك فِرَاراً‏.‏ ولعلَّ ما وَقَعَ منهم هو هذا دون الفِرَارِ عن المعركة‏.‏

4064- قوله‏:‏ ‏(‏تُنْقِزَانِ القِرَبَ‏)‏‏:‏ جهلكاتي تهين مشكون كو‏:‏ دور نى كى وجه سى‏.‏ وقد عزا بعضُهم إلى البخاريّ ترجمته‏:‏ تخيطان، وليس بصوابٍ‏.‏ لأن النقز ليس بمعنى الخياطة‏.‏ وكذا ما سيفسِّره به الراوي غَلَطٌ‏.‏ ثم إن الحجابَ لم يَكُنْ نَزَلَ بعدُ‏.‏ على أن الرؤيةَ في قوله له‏:‏ «أَرَى خَدَمَ ساقهما»، ليست قَصْدِيّةً‏.‏

4065- قوله‏:‏ ‏(‏يُقَالُ‏:‏ بَصُرْتُ وأَبْصَرْتُ، وَاحِدٌ‏)‏ فَبَصُرَ مع كونه من كَرُمَ متعدَ، ففيه شذوذٌ‏.‏

4066- قوله‏:‏ ‏(‏جَاءَ رَجُلٌ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ولعلَّه كان مصريّاً، لأن أول من بغى على عثمان أهل مصر‏.‏

4066- قوله‏:‏ ‏(‏أنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُضْوَانِ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا‏)‏ ومما يتحيَّرُ منه الناظرُ من إيثار الصحابة، واتَّباع الحقِّ، وعدم التجاوز عنه‏:‏ أن ابنَ عمر مع كونه ابناً للخليفة، لَمَّا سُئِلَ عن عثمان لم يتكلَّم فيه إلاَّ بخيرٍ، وذَبَّ عنه بما كفى وشفى‏.‏ ولو كان لأحدٍ مثله اليوم لَحَسَدَ عليه، ولنال من عِرْضِهِ أضعاف ذلك‏.‏ فهذا يَدُلَّكَ على كونهم أعدلَ أفرادِ البشرِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واخْتُلِفَ في شأن نزوله، ولعلَّه نَزَل بعد الوقائع الثلاث التي نُقِلَتْ فيها، فَنُسِبَ إليها لتقاربها‏.‏

4071- قوله‏:‏ ‏(‏إنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطاً بين نساءٍ من نساء أَهْلِ المَدِينَةِ، إلى قوله‏:‏ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هذا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم التي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيَ‏)‏ وثَبَتَ منه نكاح عمر من بنت عليّ، والروافضُ الملاعنةُ يُنْكِرُونَهُ‏.‏

4072- قوله‏:‏ ‏(‏وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، الاعتجارُ‏:‏ دهاتا باند هنا، ‏(‏فأَضَعُهَا في ثُنَّتِهِ‏)‏‏:‏ زير ناف جكه‏.‏

قصة الحرب مع مُسَيْلِمة

واعلم أن حزبَ مُسَيْلِمة كانوا أربعين ألفاً يُحَارِبُون من وراء جدار، وجماعةُ الصحابة كانت حوله، فلم يَنْجَحُوا، فقال أبو دُجَانة‏:‏ لا يعنْكَشِفُ الأمرُ حتَّى تُعَلِّقُوني على قَصَبٍ، ثم تُلْقُوني وراء الجدار، ففعلوا‏.‏ فَبَارَزَ أربعين ألفاً وحده‏.‏ حتى اسْتُشْهِدَ‏.‏ وكَسَرَ خالدٌ الجدارَ في تلك المدَّة، ودَخَل فيه عسكرُ المسلمين، وكانوا ستة آلاف، ثم فَتَحَ اللَّهُ لهم‏.‏

واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يَقْتُلْ أحداً من الكفَّار بيده الكريمة، غير أُبَيِّ بن خَلَف، فإنه كان يقول‏:‏ إنِّي أُطْعِمُ فرسي كل يوم صاعاً من زبيبٍ، أُعِدُّه لقتالك- قاتله الله- فلمَّا وقعت غزوةُ أُحُدٍ، وأُذِيعَ موت رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاء يُنَادِيه باسمه‏.‏ فأراد الصحابةُ أن يُجِيبُوه، فمنعهم، وقال‏:‏ إنه دعاني، ثم أشار إليه بُرُمْحٍ فَخَدَشَهُ، فتدهده الرجل، وجعل يَصِيحُ من ألمه، ومات بعد ثلاثٍ، كأنه حَمِمٌ‏.‏ وذلك لأن أشدَّ النَّاسَ عذاباً مَنْ قتل نبيّاً، أو قلَهُ نبيٌّ‏.‏ أمَّا الأوَّلُ فظاهرٌ‏.‏ وأمَّا الثاني، فلأن النبيَّ كلُّه رحمةً، فمن قُتِلَ من يده، فقد خَرَجَ عن الرحمة رأساً، فَككَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أن يَذُوقَ أحدٌ أشدَّ العذاب من أحله‏.‏ نعم، كان يَقُومُ في المعركة بمكانٍ لم يَكُنْ يستطيع أن يقومَ فيه معه إلاَّ أشجعهم‏.‏

4079- قوله‏:‏ ‏(‏لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِم، ولَمْ يُغَسَّلُوا‏)‏، والكلامُ في مسألة الصلاة على الشهيد‏.‏ والمذاهبُ فيها قد مرَّت من قبل مفصَّلاً، وثَبت صلاته صلى الله عليه وسلّم على الشهيد، عند أبي داود‏.‏ وثَبَتَتِ الصلاة على عثمان، وكذلك صُلِّيَ على عليَ، والحسن‏.‏

4088- قوله‏:‏ ‏(‏فَدَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلّم عليهم شَهْراً في صَلاَةِ الغَدَاةِ‏)‏ واعلم أن في القنوت تعارُضاً في روايتي أنس، أهي قبل الركوع، أو بعده‏؟‏ والجواب‏:‏ أن في روايته اختصاراً، والمفصَّلة ما عنده‏:‏ عن عاصم الأَحْوَل، قال‏:‏ «سَأَلْتُ أنسَ بن مالكٍ عن القنوت في الصلاة، قال‏:‏ نعم، فقال‏:‏ قبل الركوع أو بعده‏؟‏ قال‏:‏ قبله، فَقُلْتُ‏:‏ إن فلاناً أَخْبَرَني عنك أنك قُلْتَ‏:‏ بعد الركوع، قال‏:‏ كَذَبَ، إنما قَنَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم بعد الركوع شهراً، إنه بَعَثَ ناساً يُقَالُ لهم‏:‏ القُرَّاء»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فَظَهَرَ أن جوابَهُ بكون القنوت بعد الركوع يتعلَّقُ بالنازلة‏.‏ وإذا سُئِلَ عن قنوت الوتر، أجابه بكونها قبله، فاخْتُصِرَ في السؤال من قِبَلِ الرواة، وأَوْهَمَ تَعَارُضاً‏.‏

4090- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآناً، ثُمَّ إن ذلك رُفِعَ‏)‏ قال شيخي‏:‏ إن الآياتِ المنسوخةَ التلاوة أراها نازلةً في البلاغة حِذَاء المُحْكَمَاتِ‏.‏ قلتُ‏:‏ فتتبعتها، فوجدتها كذلك، وهكذا في «التفسير العزيزي»‏.‏

4090- قوله‏:‏ ‏(‏قُرْآناً‏:‏ كِتَاباً‏)‏ والفرق بينهما أن القرآن من صفاته تعالى، بمعنى أنه تعالى قرأ به، والكتاب هو كلامُه الذي لم يتكلَّم به، كما إنَّا قد نَقْرَأُ ونَكْتُبُ شيئاً، ثم لا نقرأه‏.‏ فالتوراةُ والإِنجيلُ كتابان، والفرقان هو القرآن‏.‏

4091- قوله‏:‏ ‏(‏أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ‏)‏، ظنَّ الشقيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ملك، كسائر الملوك، ولم يَدْرِ أنه رسول الله إلى من وُجِدَ في الأرض كافةً‏.‏ وذلك أمرٌ لا يتأتى فيه الشركة، ولا الاستخلاف، وإنما هو الله، يَصْطَفِي لرسالاته من شاء من عباده‏.‏

4092- قوله‏:‏ ‏(‏فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ‏)‏، وقد مرَّ أنه من باب إبقاء الحالة المحبوبة‏.‏ فليس فيه أن الطهارةَ لا تُنْقَضُ بخروج الدم، وقد ذَكَرْنَاهُ مفصَّلاً في «الطهارة»‏.‏

4096- قوله‏:‏ ‏(‏إنَّما قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْراً‏)‏، وهذا يَدُلُّ على أن الأكثرَ في القنوت أنها قبل الركوع‏.‏ فَيُفِيدُنا في بيانُ الجنس، وإن لم يُعَيِّنْها الراوي‏:‏ أنها نازلةٌ، أو راتبةٌ‏.‏

4096- قوله‏:‏ ‏(‏بينهم وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم عَهْدٌ قِبَلَهُم‏)‏، أي الذين يَقْصُدُونهم كانوا بعيدين، وكانت تَقَعُ بلادُ الكفار دونهم، ولكن كانَ لهؤلاء عهدٌ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وحاصلُه‏:‏ أن الطريقَ كان مأموناً‏.‏ فالظرفُ ههنا للمكان، وهذا صريحٌ في أن الغَدْرَ كان من المعاهدين، بخلاف ما سَبَقَ في الصحيح‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةِ الخَنْدَقِ، وَهيَ الأَحْزَاب

قالَ مُوسىبْنُ عُقْبَةَ‏:‏ كانَتْ في شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ‏.‏

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا *** عَلَى الجِهَادِ ما بَقِينَا ابَدَا

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا *** عَلَى الإِسْلاَمِ ما بَقِينَا أَبَدَا

قالَ‏:‏ يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم وَهُوَ يُجِيبُهُمْ‏:‏ «اللَّهُمْ إِنَّهُ لاَ خَيرَ إِلاَّ خَيرُ الآخِرَهْ‏.‏ فَبَارِكْ في الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»‏.‏ قالَ‏:‏ يُؤْتَوْنَ بِمِلءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، تُوضَعُ بَينَ يَدَيِ القَوْمِ، وَالقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهيَ بَشِعَةٌ في الحَلقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ‏.‏

«وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ ما اهْتَدَينَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا *** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقينَا

إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا *** إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا»

وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ‏:‏ «أَبَينَا أَبَينَا»‏.‏

«اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ ما اهْتَدَينَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا *** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا

إِن الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا *** وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا»

قالَ‏:‏ ثمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قَالَ مُوسَى بن عُقْبَةَ‏:‏ كَانَتْ في شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ‏)‏ قلتُ‏:‏ موسى بن عُقْبَةَ تابعيٌّ صغيرٌ، متقدِّمٌ عن محمد بن إسحاق‏.‏ وفي «مغازي محمد بن إسحاق»‏:‏ «أنها سنةُ خمسٍ»‏.‏

4097- قوله‏:‏ ‏(‏وهُوَ ابْنُ خمسَ عَشْرَةَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهو الفاصلُ في البلوغ عند صاحبيه، وعن أبي حنيفة أقوالٌ إلى تسعة عشر‏.‏ وقد تحقَّق لديَّ أن البلوغَ في الخارج قد يجاوز بعد خمسة عشر أيضاً‏.‏

4100- قوله‏:‏ ‏(‏بإهَالَةٍ سَنِخَةٍ‏)‏‏:‏ بدبو داررربى‏.‏ ذكر الطحاويُّ في «مشكل الآثار»‏:‏ أن الشيءَ الذَّائِبَ لا يَصِيرُ حراماً بالاحتراق كالسَّمْن، والجامدَ يَصِيرُ حراماً كاللحم المُحْتَرِقِ بالنار، وهكذا الخبز‏.‏

4101- قوله‏:‏ ‏(‏فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيباً أَهْيَلَ‏)‏‏:‏ تيله ريتلا، وفي بعض الأحاديث‏:‏ «أنه لمَّا ضَرَبَ الضربةَ الأولَى قال‏:‏ إنِّي بُشِّرْتُ بخزائن الشام، ثم ضَرَبَ ضربةً أخرى، وقال‏:‏ بُشِّرْتُ بخزائن فارس، ثم ضَرَبَ ضربةً، وقال‏:‏ إنِّي بُشِّرْتُ بخزائن اليمن‏.‏

4101- قوله‏:‏ ‏(‏والعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ‏)‏ خمير توت كياتها يعنى درست هو كياتها‏.‏

4101- قوله‏:‏ ‏(‏ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ‏)‏، ولعلَّ في التخمير سِرّاً في تحصيل البركة لم يُظْهِرْهُ‏.‏ ولعلَّ هذا هو أصلُ ما اشْتُهِرَ بين الطلبة‏:‏ أن عَدَّ أوراقِ الكتاب من الآخر يَمْحَقُ البركة‏.‏

4102- قوله‏:‏ ‏(‏فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغي‏)‏، أي فَرَغْتُ من ذبح بهيمةٍ، وفَرَغَتْ هي من طَحْنِ الشَّعِيرِ‏.‏

4102- قوله‏:‏ ‏(‏إن جَابِراً قَدْ صَنَعَ سُوْراً‏)‏ والسَّوْر بالحبشية‏:‏ دعوةُ الطعام‏.‏ ولمَّا لم يَكُنْ بين العرب، والحبشة إلاَّ نهرٌ، دَخَلَ بعضُ لغات الحبشة في لسان العرب، وبعضُ لغات العرب في الحبشة‏.‏

4104- قوله‏:‏ ‏(‏وإذَا أَرَادُوا فِتْنَةً، أَبَيْنَا‏)‏، أي إذا أَرَادُوا أن نَرْجِعَ على أعقابنا نأباه‏.‏

4104- قوله‏:‏ ‏(‏وَرَفَعَ بِهِ صَوْتَهُ‏:‏ أَبَيْنَا أَبَيْنَا‏)‏، وهذا كرفع الصوت بالتأمين في الآخر‏.‏

4105- قوله‏:‏ ‏(‏الصَّبَا‏)‏، صلى الله عليه وسلّم وا‏.‏

4105- قوله‏:‏ ‏(‏الدَّبُورِ‏)‏‏:‏ صلى الله عليه وسلّم جوا‏.‏

4106- قوله‏:‏ ‏(‏وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ‏)‏، وليس ذلك شيئاً مُنْضَبِطاً، فَيُمْكِنُ اعتباره بالقلَّة تارةً، وبالكثرة أخرى‏.‏ فاعتبره الراوي قليلاً في «الشمائل»، وههنا كثيراً، ولا تَخَالُفَ بينهما، فإنه لا حِجْرَ في الاختلاف بين الأمور الإِضافية‏.‏

4108- قوله‏:‏ ‏(‏ونَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ‏)‏، أي ذوائبها، ولْيُحْفَظْ هذا اللفظ، فإن في «مسلم»‏:‏ «أن أمَّهات المؤمنين كُنَّ قد قَصَّرْنَ أشعارَهُنَّ بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم حتى جَعَلْنَهَا كالوَفْرة»، وذلك لا يَجُوز عندنا‏.‏ وهذا اللفظُ يَدُلُّ على أنَّهُنَّ كانت لَهُنَّ ذوائب‏.‏

4108- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ‏)‏، وفيه تَسَامُحٌ، لأنهم اجتمعوا لذلك، فأين تفرَّقُوا عنه‏؟‏‏.‏

فائدة‏:‏ واعلم أن المَقْبِلي، وإبراهيم الوزير كانا زيديَّين، وكانا يُفَسِّقَان بعضَ الصحابة رضي الله تعالى عنهم لا مجموعهم‏.‏ وقد طَعَنَ المَقْبِلي على البخاريِّ أيضاً‏.‏

4108- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، ومِنْ أَبِيهِ‏)‏ واعلم أن قرابةَ الخلفاء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم على عكس ترتيب الخلافة، فعليٌّ كان أقربَهم على عكس أبي بكر، ومعاويةُ أقربُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم من عمر‏.‏

4111- قوله‏:‏ ‏(‏حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ‏)‏، وفي الرواية التي تَلِيها‏:‏ «حتَّى كادت الشَّمْسُ أن تَغْرِبَ»، وعند مسلم‏:‏ «حتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ»‏.‏ وقد مرَّ في «الصلاة»‏:‏ أن فيه دليلاً للحنفية‏.‏

4112- قوله‏:‏ ‏(‏ما كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ‏)‏، وفي مثله خلافٌ للنحاة، ومفادُه عندي‏:‏ أن عمرَ صلاَّها، ولكن بالعُسْرِ‏.‏ إلاَّ أن قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «أنا والله ما صَلَّيْتُهَا» يقتضي أن عمرَ أيضاً لم يُصَلِّها، لأن فيه عطف التلقين، وذلك يُوجِبُ الاشتراكُ في الفعل، وعدمه‏.‏

4113- قوله‏:‏ ‏(‏مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ‏)‏، وكان الزمانُ زمانَ الشتاء‏.‏ فَأَجَابَ الزُّبَيْرُ كلَّ مرّةٍ‏:‏ أنا، فلمَّا جاءهم، رأى أبا سفيان يَصْطَلي بطنَه من النار من البرد‏.‏ قال الزُّبَيْر‏:‏ لو شِئْتُ لَرَمَيْتُ بطنَه بسهمٍ، إلاَّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان نهاني أن أَفْعَلَ أمراً بغير إذنه، فلم أفعل‏.‏

باب‏:‏ مَرْجَعِ النبي صلى الله عليه وسلّم مِنَ الأَحْزَابِ، وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِيقُرَيظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُم

قالَ هِشَامٌ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عائِشَةَ‏:‏ أَنَّ سَعْداً قالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجاهِدَهُمْ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلّم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ، فَإِنْ كانَ بَقَيِ مِنْ حَرْبِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ، حَتَّى أُجاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ فَافجُرْهَا وَاجْعَل مَوْتَتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفي المَسْجِدِ خَيمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَار، إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيهِمْ، فَقَالُوا‏:‏ يَا أَهْلَ الخَيمَةِ، ما هذا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ‏؟‏ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَماً، فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

وإنما خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بعد الأحزاب إلى بني قُرَيْظَة، لأنهم غَدَرُوا، وأعانوا الأحزاب‏.‏

4118- قوله‏:‏ ‏(‏كأَنِّي أَنْظُرُ إلى الغُبَار سَاطِعاً في زُقاقِ بني غَنْمٍ، مَوْكِب جبريل‏)‏ واختلفوا في أن رؤيةَ جبرائيل عليه السلام، هل تَجُوزُ لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أو لا‏؟‏ فمنهم من جوَّزها، ومنهم من أَنْكَرَهَا‏.‏ والظاهرُ من هذا اللفظ‏:‏ أنه لمَّا رأى الغبارَ ساطعاً، ولم يَرَ راكباً ظنَّ أنه جبرائيل عليه السلام، ولم يَرَهُ، وذلك إذا كان في صورته‏.‏ أمَّا إذا تمثَّل في صورة رجلٍ، فقد رآه آخرون أيضاً، كما مرَّ في «الإِيمان» «هذا جبرائيل جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُم دينكم»‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

4118- قوله‏:‏ ‏(‏مَوْكِب‏)‏‏:‏ سوارى شاهانه‏.‏

4119- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لا نُصَلِّي حتَّى نَأْتِيَها‏)‏، وقد مرَّ الكلامُ في اختلاف مَدَارِكِهِم فيه‏.‏ ثم اعلم أنه نُسِبَ إلى الإِمام الأعظم‏:‏ أن الحقَّ واحدٌ ودائرٌ، ونُسِبَ إلى صاحِبَيْهِ أنه متعدِّدٌ ظاهراً، وباطناً‏.‏ وذَهَبَ جماعةٌ من الأصوليين إلى أن الحكمَ في كلِّ مسألةٍ من الله تعالى، والمجتهدُ مأمورٌ بابتغائه، وذلك أقربُ إلى الإِمام‏.‏ وذَهَبَ جماعةٌ إلى أن لا حكم من الله تعالى في الموضع المُجْتَهَدِ فيه، ولكن المجتهِد يَحْكُمُ بالأشبه، وهذا أقربُ إلى صَاحِبَيْهِ‏.‏ وذهب جماعةٌ ثالثةٌ إلى أن المُجْتَهِدَ مختارٌ فيه، حَكَم فيه بما شَاءَ‏.‏

4122- قوله‏:‏ ‏(‏وفي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بني غِفَارٍ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد مرَّ‏:‏ أن المرادَ من المسجد ههنا المكانُ المُعَدُّ للصلاة، على ما عُرِفَ من عادته في الأسفار‏:‏ أنه كان إذا نَزَلَ منزلاً، أَعَدَّ مكاناً للصلاة، فيصلِّي فيه‏.‏ والرواةُ يعبِّرون به عن المسجد، وما لهم وأنظارُ الفقهاء، وإنَّما هم بصدد نقل الواقع، فإذا رَأَوْهُم يصلُّون فيه عبَّروا عنه بالمسجد، سواء كان مسجداً في الفقه، أو لا‏.‏ وحينئذٍ لا يَلْزَمُ كونها واقعةً في المسجد النبويِّ‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع

وَهيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلاً، وَهيَ بَعْدَ خَيبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسى جاءَ بَعْدَ خَيبَرَ‏.‏

وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم- يَعْني صَلاةَ الخَوْفِ- بِذِي قَرَدٍ‏.‏

وَقَالَ يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ‏:‏ غَزَوْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّم يَوْمَ القَرَدِ‏.‏

وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ‏:‏ اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الحَارِثِ، وَقاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ‏.‏

وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ‏:‏ صَلَّيتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّم غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الخوْفِ، وَإِنَّمَا جاءَ أَبُو هُرَيرَةَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلّم أَيَّامَ خَيبَرَ‏.‏

وعند البخاري، ومسلم عن أبي موسى‏:‏ «أنها سُمِّيَت ذات الرِّقاع، لأنهم فَقَدُوا النِّعال، فَلَقُّوا أرجلهم بالرِّقاعِ»‏.‏ قلتُ‏:‏ وذلك وإن كان صادقاً، لكن الأصوب‏:‏ أن ذاتَ الرِّقاع جَبَلٌ، كما يُعْلَمُ من «معجم البلدان» للحموي، حيث يقول شاعرهم‏:‏

والرقعة لونٌ خلاف لون الأصل، وكان الجبلُ في لونه سوادٌ وبَيَاضٌ، فَسُمِّي بذات الرِّقاع‏.‏ والاعتمادُ في ذلك الباب على قول الشاعر أجدرُ وأحرى‏.‏ ويُمْكِنُ أن يكونَ الأمران جميعاً، فلا تَعَارُضَ‏.‏ وعند القفول منها وَقَعَتْ قصة شراء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم من جابر بعيره، واشتهرت بليلة البعير‏.‏ وقد عَلِمْتَ أنه لم يُرِدْ فيها الشراءَ حقيقةً، ولكنه أراد أن يُعِينَهُ على نوائبه، واختار صورةَ الشِّرَاء فقط‏.‏ وفيها قصة صحابيَ كان في المرابطة مصلِّياً، فرماه رجلٌ، فمضى في صلاته، ولم يَنْقُضْها، وفيها نَزَلَتْ صلاة الخوف‏:‏ السنة الرابعة، وابتداء الخامسة‏.‏

واعلم أنه اخْتُلِفَ في تلك الغزوةِ أنها كانت قبل خَيْبَرَ، أو بعدها، وجَنَحَ البخاريُّ إلى كونها بعدها، وخَالَفَ فيه علماءَ السِّيَر كافةً، فإنها قبلها عندهم‏.‏ ثم العَجَبُ أنه قدَّمها على خَيْبَرَ وضعاً، مع جنوحه إلى كونها بعدها‏.‏

قال الحافظُ‏:‏ لا أدري هل تعمَّد ذلك تلسماً لأصحاب المغازي، أو هو من تصرُّفات الرواة عنه‏.‏ والمختارُ عندي‏:‏ أن سفرَه صلى الله عليه وسلّم إلى ذات الرِّقاع وقع مرتين‏:‏ مرَّةً قبل خَيْبَرَ في السنة الخامسة، ومرَّةً أخرى بعدها، في السابعة، كذا اختاره الحاكمُ في «الإِكليل»‏.‏

ويُؤَيِّدُهُ ما عند مسلم، عن جابر‏:‏ «غَزَوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوماً من جُهَيْنَة، فقاتلونا قتالاً شديداً»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وجُهَيْنَةُ هم الذين قَاتَلُوا في غزوة ذات الرِّقاع، فَدَلَّ على ثبوت القتال‏.‏ وفي البخاريِّ‏:‏ «أنه لم يَكُنْ فيه قتالٌ»، فلا بُدَّ من القول بتعدُّد السفر‏.‏ واختارُ الحافظُ وحدتها، كما في «الفتح»، و«تلخيص الحبير»‏.‏ والمحقَّقُ عندي ما ذَكَرْتُ، وما خالفته إلاَّ بعد وضوح الحال عندي، ثم الاستخارات من ربي عزَّ وجلَّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ من بَنِي ثَعْلَبَةَ‏)‏، أي مُحَارِب بن خَصَفَة، وخَصَفَةُ ليس من بني ثَعْلَبَة، بل هو ابنُ قَيْسِ، ففيه سهوٌ‏.‏ والصواب مُحَارِبُ خَصَفَةَ، وبني ثَعْلَبة بالعطف، وراجع الهامش‏.‏ والصوابُ في إضافة العَلَم إلى الَعَلمِ الجوازُ إذا كانت فيه فائدة، وإن أَنْكَرَها النحاةُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فَنَزَلَ نَخْلاً‏)‏ والنَّخْلُ موضعٌ قريبٌ من ذات الرِّقَاع‏.‏ وأمَّا النَّخْلَةُ التي صلَّى فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صلاةَ الصبحِ، واستمع بها نفرٌ من الجِنِّ، فهي عند الطائف على ثلاثة مراحل من المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهِيَ بَع2 خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ‏)‏ استدلَّ منه البخاريُّ على دعواه بأمور‏:‏ الأول‏:‏ أن أبا موسى قد شَهِدَ ذات الرِّقاع، مع أنه لم يجيء إلاَّ بعد خَيْبَرَ، فَلَزِمَ أن تكونَ ذات الرِّقاع بعد خَيْبَرَ‏.‏ والثاني‏:‏ بما رُوِي عن جابر‏:‏ «أنه صلَّى صلاة الخوف، مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في الغزوة السابعة»، وهي ذات الرِّقاع‏.‏ ولما كانت السادسة هي خَيْبَرُ، لَزِمَ منه كون ذات الرِّقاع بعدها‏.‏

ومحصَّل ما نقله عن جابر، وابن عباس أمور‏:‏ أنه صلَّى صلاة الخوف في ذات الرِّقاع، وأنه صلاَّها في ذات القَرَدِ، وأنه صلاَّها يوم مُحَارِبِ، وثَعْلَبَة، وأنه خرج إلى النَّخْلِ، فَدَلَّ على كون تلك المواضع متقاربة‏.‏ والمعنى‏:‏ أنه خَرَجَ من النَّخْل إلى ذات الرِّقاع، كما ذَكَرَهُ جابر آخراً، فصلَّى بهم صلاةَ الخوف في ذات القَرَدِ‏.‏ وسيجيءُ أن ذات القَرَد قبل خَيْبَرَ بثلاثٍ، وخَيْبَرَ في السابعة، فَثَبَتَ كون ذات الرِّقاع أيضاً في السابعة‏.‏

4125- قوله‏:‏ ‏(‏أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ القطَّانُ، عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وعِمْرَانُ القطَّانُ هذا هو عِمْرَانُ بن دَاوَر، وهو عِمْرَانُ العَطَّارُ‏.‏ وروى أحمد في «مسنده» عن عِمْرَان العَطَّارِ هذا حديثاً في الوتر، يَدُلُّ على فصله صلى الله عليه وسلّم بين تسع الوتر بالست، والثلاث، ثم أَزَلْ أَفتِّش مَنْ هو، حتَّى رأيت في البخاريِّ‏:‏ القطَّان في الصُلْب، والعطَّار في الهامش، فاستبنت أن القطَّانَ هو العطَّارُ، إلاَّ أنه مشهورٌ بالقطَّانِ‏.‏ ومن ههنا ظَهَرَ شَرحُ حديث مسلم‏:‏ «أن أبا سَلَمَةَ سأل عائشةَ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، غير أن في حديثهما‏:‏ تسع ركعاتٍ قائماً، يُوتِرُ منهنَّ اه‏.‏ أنه على نظر الحنفية ستٌ، وثلاثٌ، وراجع له هامش رسالتي «كشف الستر» من الآخر‏.‏

4125- قوله‏:‏ ‏(‏في غَزْوَةِ السَّابِعَةِ‏)‏، تكلَّموا في معناه‏:‏ أن السابعةَ هي الغزوةُ، ففيه إضافةُ الشيء إلى نفسه‏.‏

أو المرادُ‏:‏ الغزوةُ التي في السنة الرابعة‏.‏ فمال الحافظُ إلى الأوَّل، وعلى الثاني، ففيه دليلٌ للبخاريِّ صراحةً، بخلاف الأوَّل، فإنه لا يَلْزَمُ من كونها سابعةً أن تكونَ بعد خَيْبَرَ أيضاً، فإن كان فباللُّزُومِ‏.‏

4125- قوله‏:‏ ‏(‏وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ‏:‏ صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم الخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ‏)‏ وذُو قَرَدٍ اسمُ ماءٍ، وهو وإن كان غير ذات الرِّقاع، إلاَّ أن غرضَ المصنِّف أنها كلَّها مواضعُ متقاربةٌ، فكلُّها في سفر ذات الرِّقاع‏.‏ ولما كان ذاتُ قَرَدٍ قُبَيْل خَيْبَرَ بثلاثِ، كما صرَّح به البخاريُّ في ترجمته، وهو عند مسلم أيضاً، وغزوةُ خَيْبَرَ في السابعة، لَزِمَ أن تكونَ غزوة ذات الرِّقاع أيضاً في السابعة، وهو المطلوبُ‏.‏

4126- قوله‏:‏ ‏(‏عَنْ أبي مُوسَى أَنَّ جَابِراً حَدَّثَهُمْ‏:‏ صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وليس أبو موسى هذا هو الأشعريُّ، بل هو راوٍ آخرُ‏.‏ ولمَّا كان في ذهنه أن السَّفَرَ لم يكن إلى هذا السَّمْتِ إلاَّ واحداً، وقد جاء التصريحُ عن أبي موسى‏:‏ أن هذه الواقعة كانت بعد خَيْبَرَ، رَكِبَ في ذهنه أن الواقعةَ في كلِّها هي واقعةٌ ذات الرِّقاع، وتلك كلُّها أجزاؤها، وقطعاتها‏.‏ وللقائل أن لا يسلِّمَ اتحاد السفر، بل يقول‏:‏ إنه سافر إلى تلك المواضع أيضاً مستقلاًّ، فلا يكون فيه حُجَّةٌ للصِّنف أصلاً‏.‏

4127- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَمْ يَكْنْ قِتَالٌ‏)‏ وقد مرَّ عن مسلم‏:‏ فقاتلونا قتالاً شديداً، فلا جوابَ إلاَّ بالتزام تعدُّد الواقعة‏.‏ فَيُقَال بثبوت القتال في سفرٍ، وبنفيه في سفر‏.‏

‏(‏حجة الشافعية في جواز اقتداء المفترض بالمتنفل‏)‏

4136- قوله‏:‏ ‏(‏وكان للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم أَرْبَعٌ، وللقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ‏)‏، قد عَلِمْتَ أن فيه حجَّةً للشافعية في مسألة جواز اقتداء المُفْتَرِض بالمتنفِّل‏.‏ وعَجَزَ عن جوابه مثل الزيلعيِّ، وابن الهُمَام‏.‏ وحمله الطحاويُّ على زمانٍ كانت الفرائض فيه تُصَلَّى مرتين‏.‏ وقد أَجَبْتُ عنه جواباً شافياً، بعون الله تعالى، ذكرته في البيوع، في ذيل بحث العرايا، ويَخْدِشُهُ ما عند النَّسائي من ذكر تسليم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أيضاً بعد الركعتين‏.‏

قلتُ‏:‏ قد انكشف عندنا حقيقةً الأمرُ، وإذن لا نتَّبع الألفاظ، ونقول‏:‏ إنه بالحقيقة تسليمٌ القوم، ونُسِبَ إلى إمامه لكونهم في إمامته، لا أنه تسليمٌ نفسه‏.‏ أو يُقَالُ‏:‏ إنه لمَّا انتظر صلى الله عليه وسلّم تسليم القوم، عبَّر الراوي انتظارَه للتسليم بالتسليم‏.‏ وبعبارةٍ أخرى‏:‏ إن التَّسْلِيمَ بعد الركعتين، وإن لم يَقَعْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم حقيقةً، ولكنه لمَّا وقع من القوم خلال في صلاته عبَّر الراوي عن تسليمه‏.‏ فصفةُ الصلاة فيها على رواية سَهْل بن أبي حَثْمَة، إلاَّ أن الرواةَ قد يَقْصُرُون في التعبير، نظراً إلى وضوح المراد عندهم‏.‏ والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

ومَنْ يَحْمِلُ الوقائعَ على الألفاظ، ولا يجعلها تابعةٌ للوقائع، يَهِيمُ مدَّة عمره، ولا يهتدي إلى سواء الصِّرَاط، ولكن من لم يَذُقْ لم يَدْرِ‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهيَ غَزْوَةُ المُرَيسِيع

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ وَذلِكَ سَنَةَ سِتَ‏.‏ وَقَالَ مُوسىبْنُ عُقْبَةَ‏:‏ سَنَةَ أَرْبَع‏.‏ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ‏:‏ كَانَ حَدِيثُ الإِفكِ فِي غَزْوَةِ المُرَيسِيعِ‏.‏

والمُصْطَلِقُ اسمُ قبيلةٍ من خُزَاعَةَ، وكان لهم تسلُّطٌ على مكة قبل قريش، ثُمَّ لمَّا تسلَّط عليها قريش تَقَشَّعُوا حوالي مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمُرَيْسِيع‏)‏‏:‏ بِئْرٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقَالَ مُوسَى بن عُقْبَةَ‏:‏ سَنَةً أَرْبَعٍ‏)‏ قال الحافظُ‏:‏ كأنه سهوٌ من قلم البخاريِّ‏.‏ والذي ذكره‏:‏ أنها كانت سَنَةَ خمسٍ‏.‏

4138- قوله‏:‏ ‏(‏مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا‏)‏، فيه بيانٌ لكون العَزْل لغواً، وليس فيه تحريمٌ‏.‏

4139- قوله‏:‏ ‏(‏فَشَامَهُ‏)‏، أي جَعَلَهُ في غِمْدِهِ‏.‏ وفي لفظٍ‏:‏ «أنه سَقَطَ من يده»، فهذا من اختلاف الرُّواة في الألفاظ، وقلَّما الْتُفِتَ إليه، إلاَّ إذا كان مَدَاراً للمسألة‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةِ أَنْمَار

والأَثْمَارُ‏:‏ موضعٌ عند ذات الرِّقاع‏.‏ والصوابُ أن موضعَه قبل غزوة بني المُصْطَلِقِ، فلعلَّه من النُّسَّاخ، لأن قصة الإِفَكِ وقعت في غزوة بني المُصْطَلِق، فلا معنى لإِدخال غزوة بني أَنْمَارٍ بينهما‏.‏ هكذا ذَكَرَهُ الحافظُ‏.‏